::
::
إن المؤمن التقي الذي يخاف ربه ويخشاه يستعظم معصيته، وتشق عليه وإن استهان بها الناس، وقد كان هذا الجيل المبارك يعيش هذا الشعور الذي يحدثنا عنه أحد الشباب وهو أنس بن مالك - رضي الله عنه - فيقول: "إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر إن كنا لنعدها على عهد النبي صلى الله عليه وسلّم من الموبقات". [رواه البخاري 6492 ] .
ويؤكد هذا المعنى شاب آخر هو أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - فيقول: "إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم من الموبقات". [رواه أحمد 1001 ] .
ويقف المسلم أمام هذا الأثر مشدوهاً متسائلاً. يقول ذلك أنس وأبو سعيد - رضي الله عنهما - للتابعين مصورين النسبة بين رؤية أولئك لذنوبهم ورؤية أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم، ويتساءل في نفسه: ماذا عسى أن تكون ذنوب أولئك التابعين؟ وكيف تكون النسبة بين رؤيتنا لذنوبنا وتقصيرنا وبين ذاك الجيل؟ وماذا عسى أنساً وأبا سعيد - رضي الله عنهما - أن يقولا لو رأيا ما نحن عليه؟.
ويصور آخر وهو عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - نفس المؤمن حين يواقع الخطأ هذا التصوير فيقول: "لنفس المؤمن أشد ارتكاضاً من الخطيئة من العصفور حين يقذف به". [رواه ابن المبارك في الزهد 72 ] .
ولعلك تشاركني الفهم أن هناك فرقاً بين ما يراه عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - خطيئة وبين ما نراه نحن كذلك.
إن استعظام الذنب يتولد منه لدى صاحبه استغفار وتوبة، وبكاء وندم، وإلحاح على الله عز وجل بالدعاء وسؤاله تخليصه من شؤمه ووباله، وما يلبث أن يولد دافعاً قوياً يمكِّن صاحبه من الانتصار على شهوته والسيطرة على هواه.
أما أولئك الذين يحتقرون الذنب فيشعر أحدهم بالندم ويعزم على التوبة، لكنها عزيمة ضعيفة سرعان ما تنهار مرة أخرى أمام دواعي المعصية